• Home  
  • فوق ركام منازلهم.. أهالي حي الزيتون يتمسكون بالبقاء ويرفضون النزوح
- أخر الأخبار - غزة

فوق ركام منازلهم.. أهالي حي الزيتون يتمسكون بالبقاء ويرفضون النزوح

غزة- في طريق شقه العائدون بين تلال الركام، تدفقت أفواج من أهالي حي الزيتون شرق غزة بعد انسحاب الاحتلال منه عقب العملية البرية الثامنة التي استمرت قرابة شهر عليه، حيث قصدوه لمعاينة خسائرهم الكبرى.كان بعضهم يزاحم بعضا كأنهم سهم واحد اخترق جسد المكان المدمر، يلتصق بهم غبار البؤس الذي لم يختاروه، وعلى وجوههم المتعبة وشفاههم […]

غزة- في طريق شقه العائدون بين تلال الركام، تدفقت أفواج من أهالي حي الزيتون شرق غزة بعد انسحاب الاحتلال منه عقب العملية البرية الثامنة التي استمرت قرابة شهر عليه، حيث قصدوه لمعاينة خسائرهم الكبرى.كان بعضهم يزاحم بعضا كأنهم سهم واحد اخترق جسد المكان المدمر، يلتصق بهم غبار البؤس الذي لم يختاروه، وعلى وجوههم المتعبة وشفاههم المتشققة تنطبع صورة الفقد التام، إذ لم يبق لهم من بيوتهم سوى أطلال.

وصلت نيوز عربي إلى أقصى نقطة آمنة عند “مفترق دُولة” جنوب شرق الحي، لتستكشف حجم الخراب الذي أحدثته إسرائيل في البنيان والنفوس معا، فهنا لم يُترك حجر على حجر.

كل خطوة يطويها العائدون تتطلب جهدا مضاعفا، ليس لثقل مادي يحملونه على أكتافهم، بل لثقل الخسارة التي هدت أرواحهم، حيث عادوا صفر اليدين، لا يجدون من ممتلكاتهم شيئا سوى فتات يلتقطونه كما يلتقط الغريق قشة، ولا يحملون سوى بعض الخردة أو أثر باهت لحياة كاملة سُحقت أو دفنت تحت الركام.

دمار شامل

“دمار شامل لا يشبه الزلازل ولا أي كارثة طبيعية، بل كأنه ابتلاع كامل للأرض وما فوقها” يعلّق أبو يوسف على ما حل بحي الزيتون بعدما التبست عليه ملامحه، “فلم يبق منه معلم واحد، كأن المكان مُسح من الخارطة بيدٍ متعمدة”.

ويضيف للجزيرة نت “كأننا عدنا إلى حياة الكهوف، بل إن حياة البر أهون؛ هناك خضرة وماء وصيد، أما هنا فصحراء قاحلة حتى شربة الماء لا نجدها في الحي كله”.

فقد أبو يوسف ولده، وقد كان شابا فطنا في ريعان العمر، كما فقد اليوم بيته فتشتت أبناؤه بين الأقارب بلا مأوى يجمعهم، أما هو فينام حيث تجره قدماه مرة على الرصيف وأخرى على شاطئ البحر.

سماح تنتشل عربة ابنتها آيلا التي تبكي بجوارها، وهي الخردة الوحيدة التي تمكنت من انتشالها من بين أنقاض بيتها المدمر في حي الزيتون (ترفض النزوح لأنها لن تكرر التجربة بحسب قولها)
الطفلة آيلا بجوار عربتها المحطمة وبعد انتشالها من بين أنقاض بيتها المدمر في حي الزيتون (نيوز عربي)

للأمام قليلا، كانت سماح تصارع الحجارة، ترفعها واحدة تلو الأخرى ثم تقذفها جانبا، تحاول أن تنتشل شيئا من ماضيها. ومن بين الركام ظهر جزء من عربة طفلتها آيلا، التي وقفت بجوارها تبكي ببراءة من فقد كل شيء.

تقول سماح للجزيرة نت “لقد بذلتُ جهدا بلا جدوى، هذه خردة لا تصلح لجنيني الجديد الذي أحمله في أحشائي”.

عاشت سماح مع عائلتها نزوحا متكررا داخل حي الزيتون، فقدت خلاله في كل مرة جزءا من متاعها، حتى خسرت هذه المرة كل شيء. وتضيف “لم يبقَ لنا بيت ولا أي متاع”.

ورغم خسارتها تشير بسبابتها إلى الدمار من حولها وتقول “هل ترين هذا الركام كله؟ لا أجد حرجا في أن أنصب خيمتي فوقه، فأنا ابنة هذا الحي وهو جزء مني، لقد خضنا رحلة النزوح المريرة ولن نكررها أبدا مهما كلفنا الأمر”.

وتمعن إسرائيل في قتل ذكريات الغزيين وماضيهم ولا تترك لهم سوى الحسرة والقهر، فهنا تخرج امرأة ملطخة بسخام النار، تختنق بريح البارود الذي امتلأت به رئتاها كاختناق العبرات في عينيها، وتقول للجزيرة نت “سأذهب لقبر زوجي أحمد، سأقول له: ذهبت الذكرى التي بقيت بيننا”.

المناطق المدمرة في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة. (وكالة سند)
المناطق المدمرة في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة (وكالة سند)

خسارة كبيرة

فقدت ميادة زوجها أحمد في بداية الحرب حين أصابته رصاصة من قناص إسرائيلي في مقتل أثناء جمعه الحطب، ثم فقدت ولدها عدنان بعدما التهم الفسفور جسده الصغير حتى أسلم روحه للموت.

وما إن حاولت العودة إلى بيتها في حي الزيتون بحثا عن ذكرى منهما، حتى وجدت الغرفة محترقة والسقف منهارا، وقالت “حاولت استخراج شيء فلم أجد إلا الرماد”.

كانت ميادة ترى غرفتها المتواضعة قصرها وحصنها الأخير ومساحة للحنان والحب والأمان، لكنها ستعود لخيمتها البالية المنصوبة غربا على شاطئ البحر، وتعاود الجلوس أمام التنور تخبز للنازحين مقابل مال زهيد، لتصون به ما تبقى من حياة ابنها.

ميادة الدحدوح التي فقدت زوجها وابنها سابقًا، واليوم وجدت غرفتها محروقة في حي الزيتون بعد انسحاب الاحتلال منه، تبحث عن الأمان لابنها لكنها لا تملك مالًا أو مكانًا للنزوح إلى جنوب القطاع
ميادة الدحدوح فقدت زوجها وابنها سابقا واليوم وجدت غرفتها محروقة بحي الزيتون بعد انسحاب الاحتلال منه (نيوز عربي)

تقول وهي تمسح دموعها بيديها المتشققتين “ربّت لي الحرب أوجاع الغضاريف وأمراضا لا يصدق معها أحد أنني في العشرينيات من العمر”.

“هل تفكرين بالنزوح بعد كل هذا؟” تسألها نيوز عربي لتجيب “كل ما أبتغيه أن أجد شبرا آمنا لابني الذي بقي لي، فأنا لا أقوى على احتمال وجعٍ جديد، لكنني لا أملك للنزوح مالا ولا مكانا”.

أما الحاج أبو سعد السرحي فقد أفقدته الحرب كل ما بناه بعرق السنين، حيث كان يمتلك عمارة سكنية مؤلفة من 5 طوابق وسقف مبني فوقها (رووف) ومخازن كانت تؤوي عائلته الكبيرة، وعربات وسيارات وأعمالا كانت مصدر رزق العشرات لكنها تحولت جلها إلى رماد في لحظة.

وقد كان بيت أبو سعد يؤوي 14 عائلة كانت تقيم فيه، تفرقوا اليوم في الخيام مشتتين بلا مأوى، ولم يبق له منها سوى الأطلال، ولا من تجارته التي راكمها بصبر السنين سوى ذكرى باهتة. يقول للجزيرة نت “إنها خسارة مادية، لكنها تُعادِل الروح، لقد عدت صفرا، وتهاوى بناء عُمرٍ كامل دفعة واحدة”.

أبوسعد السرحي من حي الزيتون فقد كل ممتلكاته يرفض النزوح لأنه لم يجد مكانًا في جنوب غزة
أبو أسعد السرحي من حي الزيتون فقد كل ممتلكاته ويرفض النزوح لأنه لم يجد مكانا في جنوب غزة (نيوز عربي)

إبادة ممنهجة

يمسح أبو أسعد عرقه عن جبينه المنهك ويكمل “أنا اليوم في عقدي السادس، منذ 30 عاما وأنا أؤسس وأبني لأفقد كل شي في لمح البصر”. وقادت حالته النفسية إليه الأمراض التي تغذت على جسده الهزيل، يستند إلى بقايا أخشاب انتشلها من مزرعته، ويضيف “أنا من مواليد حي الزيتون، آبائي وأجدادي فيه، وقد خرجتُ منه مكرها، وإن ابتعدت عنه أختنق”.

يستعيد رحلته مع النزوح جنوبا “السنة الماضية نزحنا سنة و4 أشهر، وعدنا للحي وقت الهدنة ولن أنزح مرة أخرى، ذهبت بالأمس جنوبا لتفقد الأماكن التي كنا قد نزحنا فيها سابقا والله لم أجد متسعا بمقدار خرم إبرة، فكيف ستحوي مليون غزي في الشمال؟ كيف؟”.

دمار واسع خلفته القوة المفرطة والروبوتات التي استخدمها الاحتلال في حي الزيتون خلال عمليته البرية الأخيرة
دمار واسع في البيوت والبنية التحتية إثر الهجوم الإسرائيلي البري عليه (نيوز عربي)

وتشير بيانات الدفاع المدني إلى أن إسرائيل استخدمت القوة المفرطة والآليات المتفجرة والروبوتات في تدمير حي الزيتون، وانتهت بانسحاب خلّف دمارًا شاملا يكاد يكون بنسبة 100% في المنطقة الجنوبية للحي، كما يوضح محمود بصل الناطق باسم الدفاع المدني للجزيرة نت، الذي كشف أن طواقمه تمكنت من إنقاذ وانتشال جثامين أكثر من 137 شهيدا، في حين لا يزال 30 جسدا آخر مطمورين تحت البنايات المتهدمة.

وقد تحوّل الحي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى منطقة مغلقة لم تغادرها آليات الاحتلال، لكونه منطقة عازلة تفصل شمال محور نتساريم عن جنوبه، وخلال الحرب تضاعف العبء الإنساني عليه، إذ استوعب أكثر من 190 ألف نازح قدموا من الأحياء الشرقية، مما جعله مكتظا فوق احتماله.

ويؤكد بصل أن ما جرى في الزيتون لم يكن حربا عادية، بل إبادة ممنهجة وطمس كامل لمعالم الحياة في واحد من أعرق أحياء غزة وأكثرها امتلاء بالذاكرة والسكان.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678