في جنوب شرقي أوزبكستان، على مرتفعات جبلية، تمكن علماء الآثار من اكتشاف مدينتين قديمتين كانتا مزدهرتين في فترة طريق الحرير، الذي كان يربط بين الشرق والغرب خلال القرون 6 إلى 11 الميلادي. المدينتان، “توغونبولاك” و”تاشبولاك”، كانتا مخفيتين لعدة قرون بسبب موقعهما الوعر على ارتفاع يتراوح بين 2000 و2200 متر.
استخدم العلماء تقنية الاستشعار عن بُعد “الليدار” للكشف عن هذه المدن القديمة، حيث تقوم هذه التقنية بقياس المسافات باستخدام نبضات ليزر قصيرة وقياس الوقت الذي تستغرقه النبضة للعودة إلى جهاز الاستشعار، مما يسمح بإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة للتضاريس.
من خلال هذه التقنية، تمكن العلماء من اختراق الغابات الكثيفة والجبال الوعرة، ليكتشفوا المخطط الحضري للمدينتين. ووفقًا للدراسة، فإن مدينة “توغونبولاك” كانت مدينة محصنة تلعب دورًا دفاعيًا في حماية طرق التجارة. وكانت مدينة توغونبولاك مركزًا حضريًا مهمًا للقوافل التجارية والبعثات الدينية، بينما كانت “تاشبولاك” أصغر ولكنها تتمتع بأهمية تاريخية، حيث تحتوي على مقابر للمسلمين الأوائل الذين وصلوا إلى المنطقة.
يُعتبر هذا الاكتشاف إضافة هامة لفهم دور تلك المدن في تاريخ طريق الحرير ودورها في التجارة والثقافة الدينية في المنطقة.

مدينة توغونبولاك، التي تقع في مرتفعات جنوب شرقي أوزبكستان، تتميز بتاريخها العريق كمركز صناعي وتجاري على طريق الحرير. في ذروتها، يُعتقد أن المدينة كانت مأهولة بعشرات الآلاف من السكان، مما يجعلها منافسًا قويًا لمدينة سمرقند الشهيرة التي تبعد 110 كيلومترات فقط عنها. كانت المدينة بمثابة حلقة وصل حيوية في شبكة التجارة العالمية، حيث ساهمت في تعزيز التبادل الثقافي والاقتصادي بين الشرق والغرب.
الآثار المكتشفة في توغونبولاك تشير إلى أن المدينة كانت تركز بشكل كبير على الصناعة، خاصة صناعة المعادن. تم العثور على هياكل محصنة وأفران ومواقد كبيرة، مما يوضح أن المدينة كانت مركزًا لإنتاج الصلب. وفقًا لبعض الحفريات، يُعتقد أن أهل توغونبولاك قد توصلوا إلى طريقة لإنتاج الصلب عن طريق إضافة الكربون إلى الحديد بنسبة معينة، مما يُعتبر من أولى التقنيات المتطورة في ذلك العصر، في القرنين التاسع والعاشر الميلادي.
هذا الاكتشاف يتناقض مع الصورة التقليدية للعصور الوسطى في هذه المنطقة، حيث كانت الزراعة هي المصدر الرئيسي للاقتصاد، في حين أن توغونبولاك اعتمدت بشكل أساسي على الصناعة. وهو ما يعكس التفرد والابتكار الذي كانت تتمتع به المدينة، ويعزز دورها كمركز تجاري وصناعي على طريق الحرير، حيث كانت تنافس بشكل كبير المدن الأخرى مثل سمرقند في النمو والتطور الاقتصادي.

تاشبولاك، المدينة الأصغر مقارنةً بـ توغونبولاك، كانت تتمتع بإرث ثقافي وديني مهم، مما يعكس دورها الفريد في تاريخ منطقة آسيا الوسطى على طريق الحرير. إحدى أبرز اكتشافات علماء الآثار في المدينة كانت المقبرة الكبيرة التي تحتوي على حوالي 400 قبر، ما يجعلها واحدة من أقدم المقابر الإسلامية الموثقة في تلك البلاد.
يُعتبر هذا الاكتشاف مفاجئًا بالنظر إلى صغر مساحة المدينة، ما يشير إلى أن تاشبولاك كانت تحتل مكانة دينية وثقافية هامة. يعتقد الباحثون أن المدينة كانت تمثل نقطة محورية في انتشار الإسلام في آسيا الوسطى، حيث بدأت الدعوة الإسلامية تقريبًا في القرن السابع الميلادي، وانتشرت بسرعة عبر الأراضي المتصلة بطريق الحرير، الذي كان يربط الشرق بالغرب.
تعد المقابر في تاشبولاك دليلًا مهمًا على التبادل الثقافي والديني بين الحضارات القديمة، حيث كانت تمثل نقطة تلاقي بين المسلمين الأوائل وحضارات أخرى. هذا الاكتشاف يُظهر كيف أن الطريق التجاري العالمي قد ساهم في نقل المعتقدات الدينية والرموز الثقافية بين مختلف الشعوب التي تعايشت على مر العصور، من الصين إلى بيزنطة وصولًا إلى العالم الإسلامي.