• Home  
  • أي صمود تكتبه غزة أمام وحشية “عربات جدعون 2″؟
- أخر الأخبار - غزة

أي صمود تكتبه غزة أمام وحشية “عربات جدعون 2″؟

في إطار خطته لاحتلال مدينة غزة بالكامل بعمليته المسماة “عربات جدعون 2″، التي أطلقها في الثالث من سبتمبر/أيلول الجاري، كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي وتيرة غاراته على المدينة بشكل غير مسبوق، معلنا تنفيذ 350 غارة استهدفت -حسب زعمه- بنى تحتية للمقاومة، إضافة إلى أبراج سكنية ومبان مرتفعة. وقد أسفر القصف الشديد عن سقوط أعداد كبيرة من […]

أي صمود تكتبه غزة أمام وحشية "عربات جدعون 2″؟ | سياسة

في إطار خطته لاحتلال مدينة غزة بالكامل بعمليته المسماة “عربات جدعون 2″، التي أطلقها في الثالث من سبتمبر/أيلول الجاري، كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي وتيرة غاراته على المدينة بشكل غير مسبوق، معلنا تنفيذ 350 غارة استهدفت -حسب زعمه- بنى تحتية للمقاومة، إضافة إلى أبراج سكنية ومبان مرتفعة.

وقد أسفر القصف الشديد عن سقوط أعداد كبيرة من الشهداء، كان آخرهم 40 شهيدا، معظمهم في مدينة غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، في محاولة واضحة لإجبار الغزيين على النزوح من المدينة تحت الدم والمجازر بعد رفض الغالبية النزوح من المدينة مهما كان الثمن.

وبعد أن تباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه، مساء الاثنين، بتدمير 50 برجا سكنيا في المدينة خلال يومين، متوعدا بهدم المزيد والمضي بخطط التهجير، شنت إسرائيل هجوما جويا على قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الدوحة، في التاسع من سبتمبر/أيلول، وتوعدت بعدها بمهاجمة قادة الحركة الفلسطينية في كل مكان.

وأشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن هذا الهجوم الإسرائيلي على قطر سيكون سببا مؤثرا في تجميد جهود التوصل إلى اتفاق صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.

ورغم شدة القصف واتساع دائرة المجازر، فإن الغزيين يواصلون صمودهم وتمسكهم ببيوتهم، رافضين محاولات التهجير القسري، فمع كل موجة تصعيد يسعى فيها الاحتلال إلى فرض النزوح الجماعي عبر التدمير الممنهج وقطع مقومات الحياة، اختار غالبية سكان المدينة البقاء حتى لو كان الثمن الدم والموت، مؤكدين أن الرحيل من الوطن ليس خيارا.

وهذا التصعيد المتسارع يعيد إلى الواجهة النقاش حول إستراتيجية إسرائيل في الحرب المستمرة منذ عامين، خاصة العدوان الأخير “عربات جدعون 2”.

النزوح.. السلاح الجديد القديم

لم يعد القصف والدم المسفوح وحدهما أدوات إسرائيل في الحرب على غزة، بل بات النزوح الجماعي السلاح الأكثر فاعلية في إستراتيجيتها العسكرية والسياسية معا، ورغم إعلان الجيش مرارا وجود “مناطق إنسانية” أو “ممرات آمنة” للنزوح، فإن التجربة أثبتت أن هذه المناطق تتحول سريعا إلى أهداف للقصف، مما يجعل منها فخا للنزوح القسري.

فمنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، استخدمت إسرائيل تكتيك “الإخلاء الإجباري” لدفع سكان شمال القطاع نحو الجنوب، ثم من رفح إلى الوسط، والآن من مدينة غزة إلى المجهول.

وخلال الأيام الماضية، شن الجيش الإسرائيلي هجمات مكثفة على المباني الشاهقة في مدينة غزة، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، وتدمير واسع، بينها برج رؤيا قرب جامعة الأزهر الذي كان يضم مكاتب إعلامية ومنظمات أممية وعائلات نازحة.

وحسب خدمات الطوارئ، فقد أكثر من 7 آلاف شخص منازلهم خلال 3 أيام فقط، في حين رصدت الطواقم الحكومية ظاهرة “النزوح العكسي” من الجنوب نحو غزة وشمالها، حيث اضطر نحو 35 ألف مواطن للنزوح جنوبا تحت وطأة القصف، لكن أكثر من 12 ألفا عادوا إلى مناطقهم الأصلية حتى مساء الأحد الماضي، في ظل انعدام مقومات الحياة في الجنوب.

وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة -للجزيرة نت- إن منطقة المواصي في خان يونس ورفح، التي تضم حاليا نحو 800 ألف نسمة، وتُسوّقها سلطات الاحتلال زورا على أنها مناطق “إنسانية وآمنة”، تعرضت لـ109 غارات وقصف متكرر خلّفت أكثر من ألفي شهيد في مجازر متتالية يرتكبها جيش الاحتلال في المواصي.

وتفتقر هذه المناطق تماما إلى مقومات الحياة الحقيقية، فلا وجود فعليا لمستشفيات ولا وجود لبنية تحتية، ولا تتوافر فيها أي خدمات أساسية من ماء أو غذاء أو مأوى أو كهرباء أو تعليم، مما يجعل البقاء فيها شبه مستحيل.

في حين أن المساحة التي حددها الاحتلال في خرائطه على أنها مناطق “إيواء” لا تتجاوز 12% من مساحة قطاع غزة، ويحاول الاحتلال حشر أكثر من 1.7 مليون إنسان فيها، في سياسة “تهجير قسري” ممنهجة تهدف لإفراغ شمال غزة ومدينة غزة، وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم مخالفة للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني.

الجيش الإسرائيلي شن هجمات مكثفة على المباني الشاهقة في مدينة غزة أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات وتدمير واسع (أسوشيتد برس)

بين مطرقة الإبادة وصمود الغزيين

أكد الثوابتة أن أكثر من 1.2 مليون إنسان ما زالوا في مدينة غزة وشمالها، ثابتين في أرضهم، يرفضون بشكل قاطع النزوح نحو الجنوب رغم شدة القصف والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال “الإسرائيلي” الذي يحاول تنفيذ جريمة “التهجير القسري” المخالفة لكل القوانين الدولية.

وأضاف يبلغ عدد سكان غزة وشمالها أكثر من 1.3 مليون نسمة، منهم نحو 398 ألفا من سكان محافظة شمال غزة (غالبيتهم نازحون حاليا إلى غرب غزة)، وأكثر من 914 ألفا من سكان محافظة غزة، بينهم 300 ألف نزحوا من الأحياء الشرقية للمدينة نحو وسطها وغربها.

ونقل الصحفي بار بيلج من صحيفة هآرتس أنه وفقا لتقديرات الجيش الإسرائيلي، غادر عشرات الآلاف من سكان غزة المدينة في الأيام الأخيرة، وقد ازداد عدد المغادرين بعد الهجمات على المباني العالية خلال الأيام الأخيرة، ويقدر الجيش أنه سيبدأ بحلول نهاية الشهر عملية برية واسعة النطاق في مدينة غزة، وبحلول ذلك الوقت سيكون عدد إضافي من السكان قد غادر المدينة.

رغم ذلك، فما زال معظم السكان يرفضون مغادرة بيوتهم حتى لو كانت مدمَّرة، مفضلين مواجهة القصف على استمرار التشرد، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو نصف مليون فلسطيني يعيشون من غير مأوى ثابت، يتنقلون بين مدارس مدمرة وخيام بدائية، في ظل نقص شديد في المياه والغذاء والدواء.

في المقابل، انتقد عضو الكنيست عميت هليفي بطء الإجلاء وغياب الممرات الآمنة والرقابة، مشيرا إلى أن المستشفيات الكبرى والكنائس والمنظمات الدولية ما زالت في شمال القطاع، رغم مرور أكثر من 3 أسابيع على إطلاق خطة “عربات جدعون 2”. وانتقد هليفي إدارة عمليات الإخلاء الحالية التي اعتبرها غير ملائمة لطبيعة الحرب ولا تراعي المجتمع الغزي.

وأكد هليفي أن في الحرب لا يتم إجلاء سكان العدو عبر رسائل نصية قصيرة أو بقصف الأبراج، ورأى أن هذه إدارة إشكالية جدا من جانب الأجهزة الأمنية، وتدل مرة أخرى على عدم فهم المجتمع الغزّي والإجراءات المطلوبة في هذه الحرب.

ووصف الكاتب والمحلل الفلسطيني وسام عفيفية أمر الإخلاء الذي أطلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة بأنه الأوسع منذ مارس/آذار الماضي، لكنه ليس الأول الذي يستهدف المدينة كلها وقد جرى ذلك في بداية الحرب، ومعظم السكان سبق أن نزحوا مرات عدة، مع تحذيرات أممية وإغاثية من استحالة تنفيذ إجلاء آمن بهذا الحجم.

وعليه، فإن استخدام الإجلاء الشامل وقصف الأبراج يهدف إلى إفراغ مركز حضري يعده الاحتلال “عقدة سيطرة” للمقاومة، وإلى خلق ممرات قسرية تحت النار تُحمِّل الضحية مسؤولية سلامتها، لكن محدودية الاستجابة للنزوح بالقوة -وفقا لعفيفة- تصطدم بعوامل: انعدام الأمان جنوبا حيث عمليات الاستهداف الأوسع خلال الشهور الماضية، وطاقة استيعاب صفرية، ودافع مجتمعي قوي للبقاء في مدينة غزة.

وفي ظل هذه الظروف، يواصل الاحتلال سياسة الأرض المحروقة تمهيدا للعملية البرية، مع تصاعد المجاعة وتحذيرات حقوقية من كارثة إنسانية كبرى.

وشارك مئات المواطنين في مظاهرة ومسيرة في ساحة السرايا بمدينة غزة تحت شعار “مسيرة الأكفان.. لن نغادر المدينة”، نظمتها القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية، بمشاركة كوادر طبية ومسؤولين، رفضا لمخطط التهجير الإسرائيلي.

وأشار مواطنون من شمال غزة إلى أن النزوح للجنوب لم يعد خيارا بعدما عانى نحو 300 ألف فلسطيني من ظروف قاسية هناك، وتعرضهم للاستهداف والمجازر، ونقص الطعام والماء، وعدم وجود أماكن كافية للنزوح، ليعودوا جميعا للشمال في فبراير/شباط 2025 خلال التهدئة.

ويشتكي كثيرون من ارتفاع كبير لتكاليف النزوح تصل إلى ألفي شيكل للسيارة الكبيرة (نحو 800 دولار)، وثمن الخيمة البسيطة 3500 شيكل وسعر الشادر (قطعة بلاستيكية 4*6 أمتار) وصل سعرها 700-1000شيكل، في حين وصل السعر إلى أكثر من ذلك في بعض المناطق مع اقتراب فصل الشتاء.

وقال خالد (40 عاما) إنه بقي في غزة خلال النزوح الأول، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، رغم فقدان أقارب ودمار منزله وتجويع عائلته، ولم يندم لأنه يفضل البقاء في أرضه على النزوح، مشددا على غياب أماكن النزوح حتى في الوسط والجنوب وارتفاع الأسعار بشكل غير منطقي.

السيناريوهات والتوقعات

في العاشر من سبتمبر/أيلول، كشف المراسل العسكري لصحيفة هآرتس، يانيف كوبويتش، عن أن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير عقد اجتماعات مكثّفة مع كبار المسؤولين في الجهاز القضائي والقيادة العسكرية لمناقشة خطة إخلاء مدينة غزة ونقل السكان إلى جنوب القطاع.

وقد أفادت مصادر شاركت في النقاشات بأن التقديرات العسكرية للوضع الإنساني في الجنوب كانت غير واقعية، حيث وصف مسؤول أمني كبير تلك التصورات بأنها “واقع مختلق بلا أساس عملي”، مؤكدا أن الظروف لا تسمح بإجلاء السكان بهذا الشكل.

وتبين المصادر أن المعلومات التي طُرحت خلال الاجتماعات كانت جزئية وسطحيّة، واستندت إلى خرائط غير دقيقة، حيث اعتُبرت مناطق شبه فارغة كمناطق صالحة لاستيعاب النازحين.

ووفق حسابات القيادة الجنوبية الإسرائيلية، خُصصت مساحة 7 أمتار مربعة للفرد في المناطق التي اعتبرت “آمنة” لاستيعاب السكان، وهي مساحة أقل كثيرا من المعايير الدولية، كما أعلن الجيش نيته إدخال 100 ألف خيمة استعدادا لنزوح واسع النطاق، بيد أن مصادر مطلعة تؤكد أن ما يصل فعليا للقطاع غالبا مجرد أغطية قماشية بسيطة، وليست خياما مغلقة توفر الحد الأدنى من الحماية.

وفي تناقض مع مزاعم الجيش، نقلت هآرتس عن مصادر مطلعة أن مستشفيات جنوب القطاع باتت عاجزة عن استقبال المزيد بسبب الاكتظاظ الشديد، وأن نقل مليون شخص إلى مناطق تفتقر للخدمات الطبية سيشكل كارثة إنسانية، تهدد بانتقادات دولية وربما عقوبات على إسرائيل من حلفائها.

ومن جانبه، ربط المحلل أكرم عطا الله بين فشل محاولة الاغتيال في الدوحة واستمرار حرب الإبادة على غزة، إذ اعتبر أن الاغتيال الفاشل جزء من سياسة “السحق الشامل” التي تهدف إسرائيل من خلالها إلى تفريغ غزة بالكامل وإنجاز المشروع التهجيري، في تقاطع مع ما يسمى مشروع “ريفييرا غزة” أو مشروع ترامب للقطاع.

ويرى عطا الله أن إسرائيل تمارس “وحشية مطلقة”، في ظل عجز دولي عن ردعها، مستندة إلى عاملين رئيسيين:

  • الأول هو قدرتها على تحييد قوى ودول الإقليم لصالحها.
  • والثاني وجود رئيس أميركي يعلن صراحة انحيازه الكامل لإسرائيل واستعداده لدعمها في تحقيق كل أهدافها.
فلسطينيون ينزحون باتجاه المناطق الجنوبية من قطاع غزة الساحلي في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري (الفرنسية)

أما وسام عفيفة، فيرى أنه رغم الدمار والقصف، يبدي المجتمع الغزي تماسكا اجتماعيا ملحوظا في عديد من الأحياء، رافضا أي نزوح جماعي بلا أفق، وتحكمه ثلاثية تتألف من: التمسك بالمكان باعتباره رمزا وهوية العاصمة الاجتماعية والاقتصادية، واقتصاد بقاء بدائي يتكيف بسرعة، وشبكات عائلية تتكفل بتوزيع المخاطر والموارد.

ولا ينفي هذا التماسك حجم الكارثة الإنسانية، لكنه يفسر بطء وتيرة التهجير الشامل حتى مع تصاعد الضغط العسكري.

وفي ما يتعلق بالسيناريوهات المتوقعة في القطاع، يطرح عفيفة 3 احتمالات رئيسية:

  • تقدم ناري بطيء داخل المدينة مع استمرار هدم كتل عمرانية وتوسيع المناطق “المفرغة”، ومناورات برية محدودة تركز على شبكات الأنفاق.
  • تعثر ميداني يفتح نافذة تفاوض تكتيكي، مدفوع بضغط داخلي إسرائيلي (قضية الأسرى والإرهاق العسكري)، إضافة لكارثة إنسانية متفجرة يدفعان إلى هدنة قصيرة مشروطة بلا حل جذري
  • تصعيد لمحاولة تطويق المدينة عبر توسيع الحصار وإخلاءات إضافية جنوب/غرب، مع دعاية إعلامية حول “إنجاز حاسم”، دون قدرة واقعية على ترجمة ذلك إلى سيطرة وحكم مستدام على الأرض.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678